يرى الكاتب جوين داير أن بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، يفكر في إعادة تأجيج الحرب على غزة كمهرب سياسي من أزماته القانونية المتفاقمة، بعدما بات عاجزًا عن تأجيل مشاكله القضائية أكثر. يربط داير بين رغبة نتنياهو في الحصول على عفو وبين حاجة ملحّة لإبقاء المجتمع الإسرائيلي في حالة طوارئ مستمرة، لأن الحرب تمنحه ذريعة مثالية لتأجيل المحاكمات وتعليق الأسئلة المحرجة حول الفساد وسوء الإدارة.

 

يشير التقرير المنشور في ذي هاملتون سبيكتاتور إلى أن الظروف الدولية قد تجعل إعادة إشعال المواجهة أمرًا أسهل مما يبدو، خاصة إذا انشغل الرئيس الأميركي دونالد ترمب بقضايا داخلية أو أزمات أخرى تقلل من تركيزه على الملف الفلسطيني. في مثل هذا الفراغ السياسي، يتحرك نتنياهو بحرية أكبر، ويراهن على أن التصعيد العسكري يخلق واقعًا جديدًا يضع أي انتقاد خارجي في موقع ثانوي أمام خطاب “الأمن القومي”.

 

الهروب إلى الأمام عبر بوابة الحرب

 

يعتمد نتنياهو، وفق التحليل، على منطق بسيط وخطير في آنٍ واحد: عندما تقع إسرائيل في حالة حرب مفتوحة، تتراجع الضغوط الداخلية، ويصمت جزء كبير من المعارضة بدعوى “الوحدة في مواجهة التهديد”. يراهن على أن الخوف يوحد الجمهور حول القيادة، حتى لو كانت تلك القيادة مثقلة باتهامات الفساد وسوء التقدير الأمني. بهذه الطريقة، يتحول التصعيد إلى أداة سياسية، لا إلى ضرورة عسكرية فعلية.

 

يطوّق الملف القضائي نتنياهو من أكثر من جانب، بينما تفاقم شعوره بالتهديد مع تصاعد الغضب الشعبي بعد أحداث السابع من أكتوبر وما تلاها من تداعيات كارثية على الداخل الإسرائيلي وصورة الدولة في الخارج. بدلًا من تحمّل المسؤولية السياسية، يختار الهروب إلى الأمام، ويفتح الباب مجددًا أمام لغة الصواريخ والطائرات بدل لغة المحاسبة.

 

دور ترمب في الحسابات الإسرائيلية

 

يلفت الكاتب النظر إلى أن عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض تغير حسابات كثيرة في المنطقة. يراهن نتنياهو على علاقة شخصية وسياسية قوية تربطه بترمب، وعلى سجل سابق أظهر انحيازًا واضحًا لإسرائيل دون شروط تذكر. إذا انشغل ترمب بمعاركه السياسية الداخلية أو بملفات دولية أخرى، تتقلص الرقابة على أفعال الحكومة الإسرائيلية في غزة.

 

في هذا السياق، تبدو إعادة تشغيل العمليات العسكرية أقل كلفة دبلوماسيًا مما كانت عليه في فترات سابقة. يدرك نتنياهو أن المجتمع الدولي سئم من الملف الفلسطيني، وأن الأولويات العالمية سريعًا ما تتحول إلى أزمات أخرى، ولهذا يعتقد أن بوسعه إشعال جولة جديدة من الحرب دون أن يدفع ثمنًا سياسيًا كبيرًا.

 

ثمن إنساني وسياسي باهظ

 

يحذر داير من أن هذه الحسابات قد تقود إلى كارثة إنسانية جديدة في غزة، حيث يعيش السكان أصلًا تحت حصار قاسٍ وظروف معيشية شبه مستحيلة. يدفع المدنيون الثمن الأكبر في كل مرة يتحول فيها التصعيد إلى ورقة سياسية في يد الزعماء. يتفاقم الدمار، وتتعمق الكراهية، وتبتعد أي فرصة حقيقية لسلام عادل أكثر فأكثر.

 

في المقابل، لا توفر الحرب لنتنياهو حلًا طويل الأمد. قد تؤجل المحاكمة، وقد تؤجل المواجهة مع الشارع الغاضب، لكنها لا تلغيها. بمرور الوقت، تتراكم الأسئلة، ويكبر الشك في القيادة، وتتحول “الحرب المنقذة” إلى عبء جديد يضاف إلى سجل ثقيل أصلًا بالأخطاء والاتهامات.

 

بهذا، يرسم الكاتب صورة قاتمة لمشهد سياسي يستعمل فيه العنف كوسيلة للبقاء في السلطة، لا كوسيلة للحماية. يطرح التحليل تحذيرًا واضحًا: حين تتحول الحرب إلى أداة للهروب من العدالة، يصبح السلام هو الضحية الأولى، ويصبح البشر مجرد أرقام في لعبة سياسية قاسية.

 

https://www.thespec.com/opinion/columnists/will-netanyahu-seek-to-reignite-the-war-in-gaza/article_22ea88d2-269b-59ea-9e92-34b74bda189c.html